بعد جهد كبير و إيمان قوي و صبر جميل حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الإقتصادية ,حسب أنه وصل إلى مراده ,حقق أحلامه ,أنقذ أسرته من الفقر المذقع و العيش المذل ,ظن أنه استرجع كرامة أبيه التي فقدها في مد يده للغرباء ,أنه تصدى للنظرة الدونية المصوبة نحو أسرته لفقرها المميت.بيد أن كل هذه الإعتقادات تحطمت عندما انطلقت رحلته للبحث عن عمل يصونه من الضياع,حيث هناك لا يعترفون إلا بقيمة و وسائط المرشحين و يغفلون مؤهلاتهم وإنجازاتهم الدراسية و المهنية ,كان شاهدا على المحسوبية التي تطال الوسط الإداري لوطنه,تأكد أن الفساد الإداري لا زال يعشش في عقلية المواطنين و فجأة تسأل :هل يمكن أن نساهم في رقي و تنمية وطننا عن طريق هذه الممارسات الدنيئة ؟. تبددت طموحاته,تبخرت أحلامه و اصطدم بحياة مرة لا تعاش حتى في الكوابيس,لم يتصور أنه سيعود إلى أسرته فاقدا للآمال بعد كل الوعود التي وعد بها أفرادها.كل الأبواب صدت أمامه ,لم يعد يرى و لو نقطة ماء في كوبه الفارغ .لم يبقى له إلا حل واحد ووحيد السرقة رغم أنه لم يتعدى على حقوق غيره طوال حياته لكنه آمن أن هذه الطريقة هي الكفيلة بحماية أسرته من التشرد و الضياع . الثالثة فجرا ,صمت يعم جوانب الفيلا التي سينهب خيراتها ,يتسلق جدارا إسمنتيا ضخما بحذر و خوف ,يدخل حديقة مساحتها تفوق بمرات مساحة حيه المتواضع ومسبح لم يراه قط في حياته ,كل تلك الخيرات لم تزده سوى إرادة و اندفاع للسطو على ممتلكات الفيلا,حارس الفيلا غارق في نومه وكل خطوة يتقدم بها نحو الباب الرئيسي تضيف إلى نفسيته خوفا و رعب لكن سرعان ما يتذكر قساوة ظروف عيشه حتى يتخلص من كل المخاوف ,يحاول فتح الباب و يداه مرتعشتان فجأة يسمع صوتا يصرخ بقوة و صداه يقترب نحوه و بدون تردد يتخلى عن محاولاته لفك شفرة الباب و يلوذ بالفرار و لكن لسوء حظه إنتهت محاولته للفرار بالفشل فكان السبب في ذلك هو حارس الفيلا الذي في وقت وجيز تحول من نائم غارق في أحلامه إلى مستيقظ يصرخ لإيقاف البطل و قد نجح في مهمته ليس لتفانيه في عمله و يقظته بل ربما لغباء البطل الذي لم يسبق له أن خاض هذه التجربة ,و سرعان ما تم القبض على البطل حتى نودي على صاحب الفيلا الذي كان مستسلما للنوم ,رجل بدين و ضخم ,قسمات وجهة متجهة إلى التشاؤم و الخوف ,عيناه لا تزالان مغمضتان من النوم ,لباسه هو المؤشر الوحيد الذي يدل على رفاهيته ,دخل في حوار مع الحارس :
_ما الذي يستحق أن تيقظني في هذه الساعة المتأخرة من الليل أ
يها الأبله ,ماذا هناك ?
_لقد ضبطت هذا اللص وهو يحاول أن يفك شفرة الباب يا سيدي.
بعد تلقيه الخبر بدأ ينظر إلى البطل في إمتعاض و سخرية :
_هل حسبت أنك ستنهب ممتلكاتي بكل هدوء و تنجو بفعلتك.
قابله البطل بنظرة لخصت ندمه و تأسفه على عمله هذا,ثم أضاف صاحب الفيلا :
_لن أضيع معك وقتي ,سأتصل حالا بالشرطة .
و في هلع و خوف توسل إليه البطل :
_الشرطة أرجوك لا تفعل هذا بي
_إنك تستحق القتل لكنني سأكون معك رحيما إذا اتصلت بالشرطة
_إن جميع أحلام أسرتي محمولة على عاتقي ,إنني لم أقدم على هذه الخطوة حتى أقفلت جميع الأبواب أمامي .
و بصوت خافت سأله صاحب الفيلا :
_ماذا حدث لك؟
_إستسلمت للواقع المؤلم ,فبعد حصولي على شهادة الدكتوراة في العلوم الإقتصادية ,حاولت أن أجد عملا يخفف الحرمان و الذل عن أفراد اسرتي لكنني إصطدمت بعالم تتخلله كل أشكال الفساد من محسوبية,زبونيةورشوة,....عندها قررت أن ألجئ إلى هذه الخطوة التي كنت راجيا من ورائها إنقاذ أسرتي من الجوع و الموت ثم التخفيف و لو بصفة نسبية من الإحباط الذي عشته بعد رحلتي للبحث عن عمل.
قام صاحب الفيلا بنظرات تعجب و ذهول ثم قال:
_صراحة لقد فجأتني بهذه المعلومات فلم أكن أتصور أن يقدم إنسان مثقف و حاصل على شهادة الدكتوراه على هذا الفعل ,لقد أحزنتني ظروفك القاسية لكن رغم كل هذا فأنا ألومك لأنك حاولت الإنتقام من المجتمع و إنقاذ عائلتك بمحاولة القيام بالسرقة و النهب .
_لكن يا سيدي ,
قاطعه بهدوء تام ثم قال :
_لا عليك,سأعطيك فرصة لأنني فعلا تأثرث بقصتك و سأسرف النظر عن هذا الفعل الدنيئ الذي قمت به ,هذا هو عنوان شركتي أحضر معك سيرتك الذاتية و شهادتك غذا صباحا و أتمنى أن تكون في مستوى طموحاتي .
_لا أجد الكلمات القادرة للتعبير عن إمتناني و شكري لك ,أتمنى أن أكون عند حسن ظنك .
بعدها سمح له بالخروج من الفيلا ثم ذهب البطل إلى أفراد أسرته لكي يزف لهم بهذا الخبرالسعيد .